تابع قبيلة الزيادنة
بداية علاقة أسرة ظاهر العمر بعرب الصقر(المفارجة) الطائية
منذ أن إستقرت أسرة الزيادنة في سهول طبرية الواقعة في مناطق نفوذ الصقر، ترسخت علاقاتهم مع مشايخ عرب الصقر، خصوصا وأن هذه العشيرة، إمتازت بعادات عشائر طيء، بالكرم، وحسن الضيافة، فاتخذها مشايخ عرب الصقر، مقر إستراحة لهم، أثناء تنقلهم بين حوران ونجد والجليل، وفي عام 1707م، وفي ذات يوم من الأيام عندما كان أميران من الصقر ينزلان على أسرة الزيادنة، هما الأمير قعدان والأمير فايز، وعلموا بما آلت إليه الأمور من مقتل أحد أبناء طبرية بيد أحد أبناء أسرة الزيادنة وهو الفتى ظاهر، والذي لم يتعد عمره 18 عاما، هب مشايخ الصقر لنجدة أسرة الزيادنة، وإحتضانها رفعا للحيف عنها، والذي هو واقع عليها من أهالي طبرية في أي لحظة، وتكفل الشيخ جعدان بن ظاهر السلامة، بالذود عنهم حتى لو كلف هذا الأمر دماء الصقر لقاء حمايتهم، وأنه على إستعداد أن يسير عشرة آلاف فارس من عرب الصقر لنجدتهم، فأمروا بترحيلهم على الفور، واصطحب الشيخ جعدان ظعنهم معه الى حيث تضرب الصقر مضاربها في طول الجليل وعرضه، بلاد صفد والناصرة والمرج، وبإختلاطهم بعشائر عرب الصقر لا يمكن الوصول اليهم، والإعتداء عليهم يعتبر إعتداء على عرب الصقر. كان ذلك بعد أن إستمع الأمير جعدان بن ظاهر السلامة الى أن هذا الفتى لم يقدم على جريمة القتل الا بعد أن شاهد أحد الفسقة من أهالي طبرية يعتدي على طفلة مستبيحا عرضها. وهناك في مضارب الصقر نشأ ظاهر بين فرسان عرب الصقر فارسا مغوارا متعلما منهم إجادة ركوب الخيل والفروسية، وفي ذلك تقول مخطوطة عبود الصباغ الروض الزاهر في ظاهر، المحفوظ أصلها في باريس، ونسخة ميكروفيلمية في الجامعة الأردنية، ما نصه:
فلما صار ظاهر من العمر 18 سنة، إلى أن خرج في بعض الأيام، وحده، للصيد، فسمع في بعض الأحراش، صوت إمرأة تولول، فاتبع الصوت، فوجد إنسان من أسافل طبرية، إغتصب إبنة، على القبيح، فغضب لها ظاهر، واستل سيفه وواتاه، فقتله، فارتعبت الصبية، فقال لها: لا عليك، كما غضبت لك، فاكتمي عني، ثم إنه ساير الصبية إلى أن أوصلها البلد، وجاء ظاهر إلى أخيه سعد، وقال له: بئس ما صنعت، إن الدم لا يختفي هارقه، وإذا عرفوا أهل طبرية، أنا أدمينا منهم، فكيف يكون إقامتنا بينهم؟! فقال له ظاهر: والله أنت أكبر مني في ذلك، لو ترى ما رأيت، لما تعديت ما فعلته، أيغتصب فاسق بنية وأسكت عنه؟ والله ما ربيتني على ذلك، ولا أكون من ظهر عمر، فخاف سعد جدا من ظهور الأمر. وكانت مشايخ عرب الصقر، يتردد لطبريا، ويومئذ نازلين عندهم، وهو الأمير قعدان، والأمير فايض، فنظرا وجه سعد، مقبوض، متغير، ما كان عليه قبل حضور ظاهر، فسألوه السبب، فلخوفه لئلا يظنوا من ثقلتهم عليه في الحقيقة، واستشارهم في القضية، فقال له قعدان: والله يا سعد، إن شئت، فترى نهار غد أكثر من عشرة آلاف خيال على بابك من عرب الصقر، ودمي ودمهم أمامك، فقال له سعد: ليس هذا المقصود، وإنما خجلي من أهل البلد، وإذا عرفوا. فقال له: إن بلادنا في صفة خير من هذه البلاد، وأرضها أخصب، ومتجرها أكثر، وهواؤها أعدل، فقم، جهز حالك، وعيلتك، وامض معنا، وتوطن عندنا، ونحن ننزلكم هناك، كأنكم منا، بحيث يكون ذلك قبل ظهور الدم.
فاستصوب سعد ذلك، وأسرع ، واجتمع بأولاد عمه، وما أخبرهم بالدم، بل أخبرهم أن مشايخ عرب الصقر، شهدوا الآن بلاد صفد، أكثر من طبريا، وأنه إستحسن الإنتقال إلى هناك، وقد إعتمد ذلك، فقال له: لا نخرج مما تراه، فنحن معك، فقاموا جميعا، باعوا أراضيهم، وجهزوا ما لهم، وسافروا مع مشايخ عرب الصقر، وأنزلوهم عندهم في كل رحب، مدة أيام، إلى أن نزلوا الناصرة، وبلاد صفد، ونظروها، فأعجبتهم قرية، تسمى عرابة، من بلاد صفد، فأتوا ونزلوا بها، وفتحوا بيتهم للضيوف، حسب عادتهم، واستفلحوا بها، وأقاموا فيها، ذلك سنة 1730ميلادي أ.هـ.
أخذت أسرة الزيادنة تتنقل في بلاد الصقر كغيرها من عشائر الصقر حيث إستقر بها المقام في بلدة عرابة البطوف، بفتح الباء الموحدة وتشديد الطاء، وخلال إقامتها وطدت علاقاتها مع أهالي القرية، وبرز سعد وظاهر العمر في حل المشاكل الناشئة بين جباة أموال الميري، وأهل البلدة، ورسخوا علاقتهم بوالي صيدا محمد باشا، خلال هذه الفترة، منذ 1707م وحتى عام 1730م، وقد وصلوا الى هذا النفوذ بدعم وإسناد من عرب الصقر، وخلال تلك الفترة زحفت عشائر عرب الصقر تدريجيا من بلاد صفد والناصرة إلى جبل نابلس، فاستولت على مرج بن عامر ، فأصبح المرج تابعا للناصرة، وفقد حكام جبل نابلس، أخصب منطقة زراعية في بلادهم، وقد إستفحل أمر عرب الصقر، فحملوا على جبل نابلس، وحرموا الفلاحين من خيرات المرج، وكثرت إعتداءاتهم على القرى المحيطة به دون أن تحرك الدولة العثمانية ساكنا سوى محاولات يائسة لطرد الصقر. فاشتكى القرويون إلى شيخ مشايخ جبل نابلس إبن ماضي، والذي نقل الشكاوي بدوره إلى محمد باشا العظم، والي صيدا، فأمره بقتال عرب الصقر، وطردهم من المرج، فدارت حروب شرسة بين عرب الصقر وجبل نابلس، ولم تفلح هذه الحروب بإخلاء المرج، وبقيت عرب الصقر تجوب المرج، ومع مرور السنين من عام 1720 وحتى عام 1733م، عاش الفريقان في حروب دائمة، وفي عدم أمان ما لم تخرج عرب الصقر من المرج. فأدرك مشايخ عرب الصقر أن مقاومة جبل نابلس المدعوم من الدولة العثمانية في صيدا، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تكليفهم الكثير، أو إخراجهم من المرج، لكن عرب الصقر التي إستماتت في المرج وذاقت خيراته ومياهه، لن تتركه حتى لو سالت دماؤهم في أوديته، فالمرج أصبح عزيزا وازدادوا تمسكا به. أنظر ما ورد في بعض من أشعارهم عن المرج وقراه، فيقول أحدهم بقصيدة طويلة يصف فيها إقتتالا بين أهال رمانة وفريقا من الصقر ثم يتكرر القتال مع أهالي السيلة الحارثية، فيحدد إنتقالهم من مرج رمانة الى مرج السيلة ثم مهاجمة جموع غفيرة من أهل السيلة لهم عندما حطوا رحالهم في مرجها:
رحلنا من أرض رمانة --- نزلنا بمرج السيلة
يا فزعت علينا الفلح ---- خلايج ما هي جليلة
ويقول شاعر الصقر مرسال القروط في فترة زمنية أخرى، واصفا بعيره الأبيض المزين بالأهداب السوداء المتدلية على جوانبه، يجوب أرض المرج، ويطوي هضابه، وصولا الى تل الذهب:
أنـــا شـديــت القعــود --- أشعل والشراشب سود
مشيه ويا المرج فدود ---- يا تليل الذهب ملقاه
وعلى غدران نمران على نهر المقطع نواحي حيفا، قال شاعرهم متوجدا على إبنه المقتول على مشارف غابات سابا:
يا وجـد وجـدي من توجـد له على شـاة ---- وجد ليله طويل ووجد ليلي قصيري
وجدي توجد ع اللي ضبع سابا تعشاه ---- يا مخفف عن سـرد السبايـب ثقيلـي
وكتبه
علي بن فلاح الملاحي الصقري
مؤرخ عشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائية العريقة
إربد - الأردن
المصدر: كتاب عشائر عرب الصقر إبان الحكم العثماني 1997، إربد، الأردن.
مراسم تعيين عرب الصقر (المفارجة) الطائية ظاهر العمر رأسا عليهم في القرن الثامن عشر
وجه الأمير إرشيد الجبر في العقد الثاني من القرن الثامن عشر الدعوة الى مشايخه، لحضور ديوانه للنظر في ما آلت اليه الأمور من حروب مع جبل نابلس، والتخطيط للإيقاع بحلف إبن ماضي والجرار، وتخريب علاقتهم بالوالي العثماني في صيدا. وكأن لسان حاله يقول إن الغرض من هذا الإجتماع هو إستعراض الأوضاع والتخطيط للمستقبل.
تقاطرت مشايخ عشائر عرب الصقر الى بيت الأمير، وبعد تناولهم الطعام ، هناك ، في وسط مرج بن عامر، طرح عليهم الأمير إرشيد موضوعه، صابا جام غضبه على العثمللي ( العثماني)، مبينا أن الوالي العثماني، هو منافسهم الرئيسي في الحصول على أرزاقهم ، وهو المشارك لهم في إقتسام لقمة العيش، مبينا لهم أيضا، أنه كلما حاولوا فرض خاوة (أتاوة) على قرية من القرى، سارع الوالي العثماني، في صيدا، الى ثني تلك القرية عن دفع الخاوة الى عرب الصقر، ودفعها للدولة بدلا من ذلك ، لا بل كانت بعض القرى تدفعها مرتين، للدولة مرة وللصقر مرة أخرى ، ثم أن الوالي لم يكتف بهذا الحد، بل ذهب الى تأليب أهل البلاد، والزعامات المحلية على مقاتلة عرب صقر، فجردت قرى جبل نابلس جموعها وأخذت تغير على الصقر ، مما أدى الى وقوع المزيد من القتلى في صفوف الصقر، وهذا الأمر يؤدي ومع مرور السنين الى إضعافهم، وتغلب جبل نابلس بزعامة إبن ماضي المتمركز في بلدة إجزم جنوب حيفا ، وابن جرار المتحصن في قلعة صانور بين جنين ونابلس.
هذا ما بحثه أمير عرب الصقر إرشيد الجبر مع شيوخ عشائره، والذين يمثلون زهاء عشرين ألف نسمة كما ورد في المخطوطة، وعديد خيولهم خمسة آلاف فرس وجذعاء ، فوضع النقاط على الحروف، محددا المخاطر المحدقة بهم، والمستقبل الذي ينتظرهم، وحث مشايخه على أن يعيدوا حساباتهم، لئلا يكونوا فريسة لغيرهم ، وهم ورثة البلاد من أجدادهم المفارجة ، الذين أراقوا دماءهم الطائية الزكية على أرض فلسطين عبر ألف عام ... أمير الصقر لم يكن رجلا عاديا، من عامة الناس، بل كان زعيما بمعنى الزعامة، وريث زعامة لامية طائية كابر عن كابر ، ذو عقل، وبصيرة، يزن الأمور بموازينها، يقيّم، ويعاين، ويتخذ القرار بعد دراسة وتمحيص، فكاتب المخطوطة عبود الصباغ من العرب النصارى في عكا، توقف عند هذا الأمر، ووصف أمير الصقر بأنه داهية من دهاة العرب، وصاحب عقل نير، ورأي صائب، وكان رجلا عرك الحياة بحلوها ومرها ، فهو سنوات متراكمة من الخبرة في التعاطي مع الأحداث السياسية في عصره، وما يواكبها من صراعات ونزاعات، يقول الصباغ في مخطوطته: "... فجمع رشيد الجبر، أمير عرب الصقر، مشايخه، وكان من الدهاء ، والعقل، والرأي، والتجربة الغاية، واستشارهم في هذا الأمر..." إهـ.
أمير الصقر تغزلت به وبشجاعته إحدى فتيات بنو عمومتنا السردية الكرام، قائلة عندما أقامت الصقر نواحي حوران:
إرشيــد يا جبــرتي ----- واريدك كبير سرودي
والدرب وادي العرب ----- والمنــزل الجالــودي
(وادي العرب يقع غرب إربد، والجالود هو نهر الجالود ينبع من مرج بن عامر ويصب في نهر الأردن عبر بيسان)
إتخذ أمير الصقر القرار بإنتداب أحد رجالات أسرة الزيادنة زعيما رمزيا للصقر، فعرض الأمير الأمر على مشايخ عشائره، الذين لم يعارضوا رأيه، فقرر مع نخبة من مشايخه النزول على الزيادنة في عرابة البطوف الواقعة الى الغرب من طبرية، وارتأى الأمير، ان يدخل عليهم من باب شجون الحديث، وأن يخوض في موضوعه، من باب إثارة الأهتمام، من حيث لا يشعرون، فألقى عليهم ، وعلى عادة العرب، لغزا علهم يساهمون في حله ، فطبيعة اللغز الذي طرحه أمير الصقر هو من صلب الحياة التي تعيشها القبيلة، وهي حياة جهاد، ومواجهة، وصراع مرير، من أجل البقاء والإستفراد، فاللغز يعتمد على حجر الصوان الذي يقدح منه العرب النار أساس الحياة ، والرمح المصنوع من الفولاذ سلاحهم الذي يدفعون به الشر عنهم، كليهما يمتازان بالصلابة والقوة. كيف يستطيع أي فرد من أسرة الزيادنة أن يغرس الرمح الفولاذي في صفاة من الصوان، إنها معجزة لا يحققها الا من أوتي الخوارق، فهل هم من أهل الخوارق؟
بدأ معهم أمير الصقر فردا فردا، من أكبرهم سنا الى أن وصل الدور عند أصغرهم سنا ، وقف الشاب ظاهر، قائلا لأمير الصقر: أنا أغرسه، فاستهجن أمير الصقر كيف لهذا الغلام أن يصل الى الحل، الذي عجز عنه أشقاؤه وبنو قومه، فدنى ظاهر من الأمير، وبينما أمير الصقر ممسك بالرمح ، وضع ظاهر يده على الرمح أعلى من يد الأمير ، وصمت، الى أن إستثار أمير الصقر ، فقال له الأمير: ثم ماذا ؟ فرد عليه ظاهر قائلا: الرمح لا يستقيم واقفا ما لم تسنده أيدي الرجال الشجعان.
دهش أمير الصقر من تصرف هذا الشاب، ومن فراسته، وسرعة بديهته، لكن أمير الصقر إنتابه الغم، والتشاؤم من ظاهر، نعم أمير الصقر رجل الفكر والدهاء والحنكة ، لم يدع تصرف هذا الغلام يمر مر الكرام ، بوضع يده على الرمح أعلى من يد الأمير، فمال الأمير على مشايخ الصقر، ينبههم إلا أن هذا الغلام سيرتفع شأنه يوما، ويعلو على الصقر، لكن ذلك لن يثنيه عن تنصيبه رأسا على عرب الصقر، لأن ما تجابهه الصقر من مخاطر مع العثمانيين وجبل نابلس، أعظم بكثير من مخاطر لا تزال غامضة في المستقبل البعيد. فها هو يتخذ القرار بتنصيب ظاهر العمر رأسا على عرب الصقر، وشن الحرب من جديد على جبل نابلس، بأسمه ، وبذلك يأمن دعم محمد باشا لأبن ماضي، وهذا ما تؤكده المخطوطة ، وفق مراسم التنصيب التالية، فتقول حرفيا:
[..... محمد باشا والي صيدا، فأرسل إلى الشيخ ماضي شيخ مشايخ جبل نابلس، يأمره في الوقوع بعرب الصقر، لأنهم بجواره، وهو المتدارك تلك النواحي، وكان هذا غاية مراد الشيخ ماضي، فأوقع بهم مرارا، فبحثوا عن السبب، فعرفوه، فجمع رشيد الجبر، أمير عرب الصقر، مشايخه، وكان من الدهاء ، والعقل، والرأي، والتجربة الغاية، واستشارهم في هذا الأمر.
وقال لهم: لو كان العثملّي يقف معنا على ميرية، ولا يتعدى عوايده، كنا نحن توقفنا عن الفساد في الطريق، ولكن لا هو يقف معنا، على حدة معنا، وإذا مددنا يدنا إلى الطرق، يحث علينا أهل البلاد، لتغزونا، كما رأيتم من حكام جبل نابلس، وإذا قمنا نحن أمام أهل نابلس، ربما نقاومهم، غير أنهم ، هم أكثر بآلام العثملي معهم، فإنهم به، يهيجوا أهل البلاد للإتحاد معهم على غزونا، فإن الرأي السديد الذي أراه أن نختار أحدا من أهل البلاد، نقيمه علينا رأسا، ونكون في طاعته، ونغزوا النوابلسية، أو غيرهم من الذين يغريهم العثملّي بنا، فعند ذلك، لا يقدم أحد من أهل البلاد ضدنا، لكون راسنا منهم، والغزو إسمه عليه، فلا يكون من أهل البلاد عداوة، بل بالخلاف، ربما تصير جميع البلاد معنا. ثم، وأنتم قد عرفتم بيت الزيادنة، وما هم من الكرم، والجود، وحبهم لنا، وصنعهم معنا، ونحن الذين أتينا بهم إلى هذه البلاد، وقد شاع صيتهم، بكرمهم، وجودهم، وفراستهم، وملكوا قلب الناس، وقد سمعتم ما جرى بينهم وبين باشة صيدا، لأجل ظلم أتباعه أهل عرابة، وقد أخذوا الباشا، في أنهم يكونوا المتولين في عرابة من قبل الباشة (كان محمد باشا)، أرسل لعرابة متسلم، ليحضر ميرة البلد، فنزل المتسلم، وقبض الميرة، المقادة عليهم، ثم بعد ذلك، طلب أجرة طريقه منهم، فاجتاح عليهم به، وطلب منهم فوق طاقتهم، فبعد أن دفعوه له، تقدم إلى خدمه، ونهب بيدرهم، فاغتاظوا من ذلك أهل البلد، وأوقعوا بالمتسلم، وقبضوا عليه، وقصدوا قتله، فعرف بذلك سعد وظاهر أولاد عمر، فتسلحوا مع حاشيتهم، وأولاد عمهم، وأتوا، وتوسطوا القضية، بكل لين ولطافة، فخلصوا المتسلم من أهل البلاد، ورجعوا له أجرة الطريق، وردوا لأهل البلد نهبهم، وأخذه سعد، وأكرمه في بيته، وثاني يوم ركب هو وأخوه ظاهر معه، وأتوا إلى صيدا، عند محمد باشا ، وأعرضوا عليه ما وقع، فشكرهم على ذلك، وأراد يوقع بأهل البلدة، فتلطفوا به، إلى أن عفى عنهم، وترجوه أن لا يلزم، يرسل للبلد أحدا من أتباعه، بل هم خدامه في ذلك، بكل عام، يحضروا له ميرية البلدة، وعوائد متسلمها أيضا، بغير أجرة، فقبل ذلك، وأعطاهم ولاية عرابة، فرجعوا مسرورين، بولايتهم، وسرت بهم أهل البلد..... فإن شئتم، أن نختار منهم، أعقلهم، وأفرسهم، وندعوه، ونقوه... معه الشيخ فايض، والشيخ قعدان، وجميع مشايخ عرب الصقر إستصوبوا رأيه.
فقالوا له: الذي ما تراه ، أيها الأمير. فقال لهم: أمضي أنا والشيخ قعدان، والشيخ ناصيف، ونتوجه لعرابة، نجعل أنفسنا جايزين، ليس متقصدين، وندخل عندهم، ولهواف أتكلم، لنختبر أعقلهم، ونتفق معه، فقالوا سمعا وطاعة. فقاموا وركبوا، وأتوا إلى عرابة، وأتوا بيت الزيادنة، وطرقوا على باب سعد، فخرج إليهم، وتلقاهم بالرحب والسعة، حسب عوايده معهم، وأنزلهم بالكرامة، ففي المساء، حضروا جميع أولاد عمه، وأخوه، وجلسوا بعد العشاء يتداولوا.
فقال لهم الشيخ رشيد الجبر: أريد أرم عليكم مسألة.
فقالوا له: علامك يا أمير؟
قال: هذا رمحي، وقام فقبض على رمحه.
وقال: أريد أجعل هذا الرمح، واقفا على أرض من حجر الصوان، فأخبروني ما الحيلة به؟ فكل قال قوله.
فأسعد قال: هذا طلب المحال.
وبعض بني عمه قال: يحتاج تخرق الحجر بالمنقر أولا، وتخرج.
وآخر قال: كلام آخر ليس المقصود، إلى أن جاء الدور إلى ظاهر.
فقال: أيها الأمير! هذا سهل ما يكون.
فقال له الأمير رشيد: كيف؟
قال له: هات إيدك، وامسكه أمامي، فمسكه أمامه، ومن ظاهر يده، ومسك الرمح أمامه، جاعلا يده أعلى من يد الأمير رشيد.
فقال له الأمير رشيد: وبعد؟!
قال: وبعد! هو، هو ، الرمح واقف، هل تعلم أن الرمح يقف أو يغرز في حجر الصوان، إلا أن تسنده سواعد الفرسان؟! فأعجب به الأمير رشيد.
فقال له: إن أكن رأيت ما رأيت، فما يمنعني أن أقول: أني لك أتيت يا ظاهر، فأنت لتلائم تلك الكلام، وباتوا تلك الليلة، وتكلم رشيد الجبر، مع أكبر مشايخه.
وقال لهم: كيف رأيتم؟
قالوا له: رأيك.
قال: والله أخذ عقلي هذا الغلام، ولكن الزجر، أنه ربى، فغمني، حيث كان وضع يده فوق يدي، لأنه يدلني على أنه يملكنا، فلا نعود نقدر مخالفته، ويعلو علينا كثيرا، ولكن لا يأتين منه بقدر ما قدره عليه، لم يرد ما هو مكين، ولا يمنعني ذلك، من أن أختاره، أدعوا لنا سعد، قبل النوم، فأرسلوا أخبروا سعد، فنزل لهم.
وقال: خيرا تعلم أيها الأمير.
قال: ألا تعلم لم أتيت؟
قال: لا إلا زائرا لتشكر، فتحية لمجيئكم بنا، لتنظر سلامتنا.
قال: ما تعديت هذا أولا، ولكن أتيت أيضا، لأختار منكم واحدا أقيمه علينا، ويكون رأسنا، ونحن طوعه، وفي ظهره، وننتهض من الباشا في صيدا، ومن ماضي شيخ مشايخ نابلس، وظلمهم لنا.
فقال له سعد: وما نكون نحن أيها الأمير؟
فقال له: ما عليكم، وأنا إخترت أن أقيم ظاهرا علينا كبيرا، وأخرج به.
فقال له سعد: كلنا أمامك، وهذا يفرحني كثيرا، لأنه ليس أخي فقط، وشقيقي.
فقال له: أرسل أحضره معنا، فأرسل سعد، وأحضره، وإعتمد خيرا...] إ.هـ.
وكتبه
علي بن فلاح الملاحي الصقري
مؤرخ عشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائية العريقة
إربد – الأردن
المصادر:
http://www.55e55.com/vb/showthread.php?t=4149http://www.55e55.com/vb/showthread.php?t=4540http://zakirat-akka.com/makal10.htmhttp://www.al-liwa.com/Sections/Defa...8246&sec_id=42