السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قضوة من قضوات ابن قلاب
هي حكاية تفصح عن اثم فضيع حدثت منذ فترة طويلة في منطقة قضاء السلط، اشرق الفجر وابتسم النور مرتفعا على جبال جلعاد تسطع بأشعته الذهبية . على ان المسيحيين كانوا في حزن عظيم ومرارة الموت فما اطبق النوم جفنهم ولا شعروا بفترة التهويم، وذلك ان شيخا مسيحيا اسمه عازر من قرية الرميميين، قد وفد الى السلط والدموع تجري من مآقيه وقلبه يئن أنات الأسى والكآبة لأن ابنته قد خطفت برضاها وتزوجت برجل كردي، فأنتشر الخبر المشؤوم وعم الشجن في كل اطراف البلقاء . وهرب الخاطف بها الى عرب يقال لهم الحمايدة، وبقيت وزوجها عند راع مختبئة متنكرة منكودة الحياة، وتتذكر بمجدها الماضي وشرفها الغابر حيثما كانت أنوار العز والفخار تلمع في محياها . اخيرا وجدها أبوها في مكمنها ، واذا بحراس يحرسونها فرشاهم بثلاثين ريالا فقالو: ونسلمها لك ونقول ( هربت) بشرط ان لا تذبحها، فقال: ( لا يجري إلا ما قدر المولى) قالوا: بوجه من تضع نفسك ومن كفيلك انك ما تضرها، قال : بوجه حسين الصبح الفاعوري، وكان هذا شيخا من شيوخ البلقاء له مقام رفيع ونفوذ شهير، فقالوا : دونك البنت.
فاخذها وابتعد وما كاد يتنحى عنهم قليلا حتى وجد مغارة فدخلها وابنته، وهناك ذبحها وقطع رأسها ويديها وعلقها على رمح وترك جسدها لطير السماء وووحوش الصحراء ، وصار هكذا لايهاب المنايا، ولما أنتهى الى السلط غرز الرمح في طريق العين، حتى ترى النساء والبنات هذا المشهد وكيف يعاقب الجاحدون. فهاج حسين الصبح وأزبد وأرعد وكاد ينشق من الغيظ وحنق اهله واقاربه على عازر الذي لم يحفظ حق الوجه، فرفع الامر الى الامير عواد بن قلاب قاضي بني حسن الشهير، فركب مع جمع غفير من المسيحيين والمسلمين خيلا وساروا يريدون ابن قلاب وهناك نزلوا في مضربة ، وكان آنئذ في قريته المدعوة المدور بالقرب من نهر الزرقاء. وكان الوفد مؤلفا من سبعين فارسا ، فأكرم الأميرعواد ضيوفه غاية الاكرام، وذبح لهم جزورا وأولم لهم وليمة بدوية فاخرة وشربوا القهوة المرة ، فأنتصب حسين الصبح ووقف في الوسط وقال :"" ياقاضينا يا قاضي العرب يا فكاك النشب ، ويش بك بنصراني جاء وبرك في بيت راعي من الحمايدة ودخل عليه دخالة وقال: اعطني ابنتي ولا أوقع بها ظرر وهي بوجه حسين الصبح، وذبحها وكسر شرفنا وما قام بحق الوجه، واذلنا في عيون الناس ، وان شاء الله من عندك ومن عند اجاويد الله الحاظرين ان النصراني محقوق وملزوم بحق الوجه".
فقام النصراني وقال :" ويش بك يا قاضينا يا قاضي العرب يا فكاك النشب ان المثل يقول : مصيبة بالمال ولا بالعيال، ومصيبة بالعيال ولا مصيبة بالعرض ، ومصيبة بالعرض ولا بالدين، وان شاء الله يا قاضينا ان مصيبتنا هي بالمال والعيال والعرض والدين، ويا قاضي العرب جيتك هدي قدي من الفوط والنوط والحق الردي ان اطلعتها تسرك ون خبيتها تضرك، وانا جيت الراعي جلاب اشتري واشتريت بنتي بثمن معلوم بثلاثين ريال بصنف مشتري الشاة للذبح لا للمرح، ون شاء الله من عندك ومن عند اجاويد الله شرواك انها شاة تذبح ولا هي شاة تمرح"" ويقال بان الذي تكلم هنا واحتج عنه هو طعيمة الداوود من الفحيص وليس ابوها عازر، واقتنع القاضي من حديثه ولم يحكم على عازر ابو البنت وقال: " اركب فرسك يا حسين الصبح ، انا من عندي ومن ومن عند القضاة اللي قبلي ، الحق بيد النصراني ، هي شاة تذبح ولا هي شاة تمرح، وانت يا حسين الصبح لا لك عليها وجه ولا عليك حق وليس في الدنيا مصيبة اعظم من مصيبة المال والعيال والعرض والدين"" فعاد الجميع الى بلادهم .
حسين القلاب